الأحد، 30 نوفمبر 2003

     

*حديث السـياحة     



الحديث في موضوع السياحة يدعو للحسرة والألم .. لماذا؟ .. لأن بلادنا غنية بموروثها الثقافي والحضاري وثرية بطبيعتها الجغرافية وبإمكانياتها المتنوعة التي نعيش فيها ونتعايش معها جيلاً بعد جيل، وقبل ذلك كله لديها الإنسان، العقل العالم واليد العاملة الماهرة، لكننا نهمل تلك الثروة/النعمة/ونجهل أو نتجاهل أهميتها الاقتصادية بالنسبة للبلاد والعباد مثلما نفعل مع الاستثمار في مجال النفط على سبيل المثال.
كان الوضع الأمني مسمار جحا الذي تتحجَّج به الكثير من الجهات المختصة في السياحة خلال الأعوام الماضية إزاء تدهور النشاط السياحي وضعف أدائها وقلة حيلتها، ولكن هذه الحجَّة لم تعد مقبولة اليوم لأسبابٍ ثلاثةٍ :  أولها : الجهود السياسية والأمنية الملموسة التي تُبذل لحفظ الأمن في كل ربوع البلاد.
ثانيها : إن السياحة ليست وقفاً على الأجانب وغير اليمنيين، وإن سكان البلاد أحد أهم روافد السياحة الموصوفة بالداخلية
ثالثها : إن الأمن يُشكِّل عاملاً واحداً وجزئياً من بين عدَّة عوامل ترتبط بها التنمية السياحية مثل العوامل السياسية والاقتصادية بأبعادها الدولية والإقليمية والمحلية، فضلاً عن أن الجريمة - فعلاً وسلوكاً، باختلاف أشكالها وتعدُّد دوافعها - لا يخلو منها مجتمع ولا تفارق الإنسان أينما حلَّ وارتحل { سمعنا عن وجود مجلس مُتخصِّص للترويج السياحي، ولكننا لم نلمس حتى يوم الناس هذا فعلاً ترويجياً حقيقياً مُثمراً لهذا المجلس، باستثناء بعض المشاركات الدورية في المعارض الدولية السياحية التي تتم بدون دراسة جدوى المشاركة فيها .. والواضح للعيان أن المجلس لا يقوم بعمله الذي أُنشئ من أجله، وهو الإسهام في التنمية السياحية وتنشيط قطاع السياحة، وأن هناك رؤية قاصرة لمفهوم الترويج السياحي لدى المختصين فيه، باختزاله إلى نشاط واحد يتمثَّل بالمشاركة في المعارض العربية والدولية أينما كانت ومهما كلَّفت وبغضِّ النظر عن فوائدها وجدواها، مما يُوفِّر مصدراً للدخل بالعُملة الصعبة على مدار العام - بدل السفر - ويُتيح المجال للسياحة المجَّانية عبر العالم على نفقة   الدولة وبمساهمة القطاع الخاص.
  
إن العمل الترويجي للسياحة في ربوع هذه البلاد يجب أن ينطلق من داخلها ومن الأماكن الحدودية، وهي أول ما يواجهه الزائر للبلاد، وليس من خلال صور و«بروشورات» تُعرض في المعارض الدولية .. فالترويج السياحي مفهومٌ شاملٌ وعملٌ كبيرٌ يكاد يرتبط بجميع أنشطة الإنسان اليمني في كل مكانٍ ومهما كان، باعتباره المرِّوج الأساسي والأكثر فاعلية، فضلاً عن علاقته الوثيقة بمهام جُلّ مؤسسات الدولة، بدءاً بالوسائط الإعلامية والدبلوماسية والأمن، وانتهاءً بالمجالس المحلية والمؤسسات الخدمية كالمياه والكهرباء والمستشفيات، وغيرها، فهي تقوم بمهامٍ ترويجيةٍ عمليةٍ متواصلةٍ وغير مباشرةٍ. ليس من المعيب أن لا نملك الخبرة في هذا المجال، ولكن المخجل أن نصمت ونوحي للآخرين بالمقدرة والكفاءة والاكتفاء الذاتي ولا نعمل شيئاً في الواقع .. يمكن أن نتعلم الكثير من تجارب غيرنا في بلاد الغرب والشرق، ولننظر إلى ما صاروا إليه ونأخذ ما يناسبنا، ولننظر إلى تجربة مدينة عربية واحدة فقط، وهي مدينة دبي، ونرى كيف كان للترويج السياحي الدور الأكبر والحاسم في تحويلها إلى مركزٍ للسياحة التسويقية والترفيهية ومعبر دولي لا يُستغنى عنه ولا يُفضَّل سواه .. فالترويج السياحي لهذه المدينة لم يذهب إلى العالم، بل جعل العالم يأتي إليه عبر منظومة من الأنشطة الجدّية المتكاملة والمتواصلة على مدار السنة، مثل المهرجانات والمسابقات والمؤتمرات الدولية وغيرها.لا شكَّ في أن ازدهار السياحة في اليمن بحاجة إلى تضافر جهود الجميع، ولكنها بأمسِّ الحاجة إلى بناء جسر من التواصل والثقة مع العالم الآخر، وذلك هو هدف الترويج السياحي ومشروعه الأساسي الذي لن يتحقَّق بالأماني والتصريحات الصحفية وإنما بالعمل العلمي والتخطيط الاستراتيجي النابع من الواقع الراهن.
  
خلاصة القول : إن ما يفتقده الترويج السياحي في بلادنا هو شيء من الإخلاص وكثير من حسن استغلال نِعَم الخالق سبحانه وتعالى والإدارة الحكيمة لخلقه.
______________________
(*) تم نشر هذا المقال في عمود يوميات صحيفة الثورة  - العدد الصادر بتاريخ 30 – 11-2003م  كنت يومها عميدا لمعهد التدريب والتأهيل الإعلامي...


ليست هناك تعليقات: