الاثنين، 9 أبريل 2012

مقال منشور في صحيفة الجمهورية وموقع ظفار برس 19 مارس 2012



الإعلام اليمني في مرحلة التحولات ....الجزء (1)


د. عبدالله علي الزلب

يشهد المجال الإعلامي في اليمن تحوّلات عديدة وحاسمة على كل المستويات بعد أن بدأت المنظومة الحالية التي تحكم هذا المجال في الإنهيار. ولذلك فإن الإعلام اليوم يمر بمرحلة لاتوازن ويواجه في ظل المتغيرات الراهنة تحديات كبيرة. ولعل التحدي الأكثر أهمية وخطورة هو تحدي إدارة العمل الإعلامي في البلاد خلال المرحلة الانتقالية، مرحلة الحوار الوطني الحساسة والخطيرة والتي يعول على الإعلام ان يقوم فيها بالدور المحوري والأساسي للخروج من هذه المرحلة بنتائج إيجابية بناءة تؤسس للدولة اليمنية المدنية الحديثة وفقا لمعطيات الواقع وتطلعات الجميع وأمنياتهم دون إقصاء اواستثناء.  

*      الإدارة الإعلامية خلال المرحلة الإنتقالية  
إن إدارة العمل الإعلامي خلال العامين القادمين ستشكل أكبر التحديات التي يواجهها اليمن. والمثير للتساؤل والاستغراب أن نصوص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية خلت تماما من أي ذكر للمسألة الأعلامية الشائكة والتي كانت تحتل في الأهمية والخطورة نفس المرتبة التي تحتلها المسألة الأمنية. ويبدو أن تجاهل الأطراف الموقعة على الاتفاق لم يكن صدفة، الأمر الذي يثير القلق والشكوك حول نوايا هذه الأطراف الحقيقية لإنهاء الأزمة وتجاوزها.. وما نشهده اليوم من معارك إعلامية بين الطرفين الأساسيين في الأزمة يؤكد هذا التوجس. فبدلا من أن يقف ويتعامل الطرفان، المؤتمر والمشترك، في إطار الحكومة وغيرها كطرف واحد في مواجهة المخاطر المحدقة بوحدة البلاد وأمنه واقتصاده، نجد أن كلاهما يتجه إلى تحميل الآخر المسؤولية ويحاول توظيف كل العوامل والمتغيرات لإلحاق أكبر ضرر بخصمه. ويتصدر الإعلام اليوم هذا الصراع بحيث اصبح المحرك الأساسي للأحداث إن لم يكن فعلا هو الصانع لها. ولذلك فإن من أولى اولويات رئيس الجمهورية والحكومة الوفاقية اتخاذ إجراءات سريعة وعملية لمعالجة المسألة الإعلامية، بانتظار العمل الاستراتيجي طويل المدى، وذلك ليتمكن الإعلام من الإسهام الإيجابي والفاعل في المرحلة الإنتقالية لما يحقق أهدافها ويخلق اجواء ملائمة لجميع الأطراف لحوار وطني بناء..

ويمكن أن يشكل إنشاء إطار مؤسسي مهني خارج إطار الحكومة للإشراف على الإعلام الحكومي والخاص خلال المرحلة الإنتقالية إحدى الخطوات العملية في الاتجاه الصحيح، وذلك بتشكيل لجنة عليا باتفاق الأطراف المعنية، كما تم في المجال العسكري والأمني، او إحداث مجلس أعلى للإعلام والإتصال. ويكون لهذه اللجنة او المجلس صلاحيات محددة ومؤقتة بإعتباره يشكل جسر العبور بالعمل الإعلامي من مرحلة إلى أخرى. ويعد مجلس الإعلام الشكل التنظيمي المعتمد في الدول الديمقرطية العريقة والناشئة، ومن المفترض أن يتفق الموقعون على المبادرة الخليجية على تشكيلة اللجنة او المجلس وفق معايير وضوابط مهنية وإدارية إلى جانب الخيارات السياسية. بحيث يتشكل هذا المجلس، إضافة إلى ممثلين عن الأطراف السياسية ومن المختصين في الإعلام، ممثلين عن الصحفيين والمؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة والخبراء في الإعلام والإتصال وممثلين عن مجلس النواب والشورى. ويكون معنيا بالدفاع عن حرية الإعلام وحمايتها. كما يعتبر هذا الكيان المهني آلية للوساطة بين المواطنين والإعلاميين والمؤسسات المختلفة في المجتمع والدولة لحلّ الإشكاليات المتعلّقة  بالبعد الأخلاقي والبعد المهني. إذن، هذا الأطار المؤسسي من شأنه يشكل جسر عبور آمن للعمل الإعلامي خلال المرحلة الإنتقالية تؤهله للإنتقال من نمط الإعلام السلطوي والاحتكاري إلى نمط الإعلام الديمقراطي العمومي التشاركي بمــعايير مهنية واقتصادية دولية...  وهذا الأمر مرتبط بترشيد الإدارة الحكومية الحالية لوسائل الإعلام.

*      الإدارة الرشيدة للإعلام الحكومي
نقصد هنا بالإدارة الرشيدة، إعادة النظر في آليات العمل الحالية والانتقال بالإعلام الحكومي من إعلام محتكر تسلطي قائم على الخطاب الواحد والصورة الواحدة والتوظيف الشخصي والسياسي لإمكانياته ، إلى إعلام ديمقراطي، متعدد ومتنوع في الخطاب يرتكز على التفاوض والحوار واحترام حق الجميع في التفكير والتعبير، يشترك فيه جميع أطراف المجتمع.  وهذا هو اساس الديمقراطية الحقيقية. فالإعلام له دور هام في تنظيم النقاش العام وهذه من أهم وظائفه. ويعني تنظيم النقاش العام طرح القضايا التي تهمّ المجتمع اليمني واحترام مبدأ تعدّد الأصوات والتنوع الفكري للمجتمع اليمني وأخلاقيات النقاش. إدارة النقاش العام تعني  البحث عن التوازن بين خطاب النخب السياسية والاجتماعية وخطاب الجمهور، كما تعني الانفتاح بنفس المستوى على كل من المجتمع السياسي والمجتمع المدني.

كل ذلك يأتي في إطار التمهيد والتحضير للانتقال من نموذج الإعلام الحكومي الأحادي الاتجاه إلى نموذج الإعلام الديمقراطي وتحويل المؤسسات الإعلامية الحكومية إلى مؤسسات عمومية تشاركية بناء على دارسة علمية للواقع اليمني والاستفادة من تجارب الآخرين الذين سبقونا في هذا المجال ونذكر على سبيل المثال التجربة الالمانية وتجربة البي بي سي وهي من افضل وانجح التجارب في هذا الشأن...

وفي هذا السياق فإن فضاءات الإعلام الاجتماعي، وهي فضاءات عمومية افتراضية (المدونات وشبكات التواصل الاجتماعية)، صارت تؤدي دورا هاما يجب الانتباه إليه والتفكير فيه بعيدا عن خطاب الاحتفاء والإنبهار. فهذه الفضاءات ، كالفايسبوك وتويترز على سبيل المثال، ليست دائما فضاءات للحوار الرصين والنقاش المتوازن والمنفتح بل هي في حالات عديدة فضاءات منغلقة داخل مجموعات لديها قواسم مشتركة وغالبا لا تقبل الاختلاف معها، بل أنها تحولت إلى صفحات متاحة للنقاش الفوضوي المتوتر والقدح والتشهير والتضليل.   وإذا كان من الطبيعي الإقرار بالدور الذي تؤديه فضاءات الإعلام الاجتماعي في الكشف عن الوقائع التي تتعمد بعض وسائل الإعلام إخفاءها وفي إعطاء الكلمة للمواطن البسيط للتعبير، فأن الفضاء الأجدر بتنظيم النقاش العام، في مجتمع لا يزال يعاني من الأمية الرقمية، هو الفضاء التلفزيوني والإذاعي أولا وفضاء الصحافة المكتوبة ثانيا نظرا لقدرة المجتمع على إلزام هذه الوسائط باحترام الضوابط القانونية والأخلاقية ومساءلتها عبر هيئات مستقلة كالقضاء ومؤسسات المجتمع المدني.



ليست هناك تعليقات: