الأربعاء، 18 مايو 2011



النساء والمشاركة السياسية والوسيط الميدياتيكي

د. عبدالله على الزلب 


ملاحظة تمهيدية :
النموذج التقليدي لفهم عملية التواصل والمرتكز على العناصر الكلاسيكية المتمثلة في المصدر والقناة والرسالة والمتقبل لم يعد من الناحية الإبستمولوجية – معرفيا إن جاز التعبير- صالحا.  فالنظرة الثاقبة لما ينشر من مقاربات ورؤى نظرية في حقل التواصل تبين بجلاء أن عملية التواصل لم تدرس في نهاية الأمر إلا من منطلقات جزئية ومنعزلة، هذا فضلا عن الاستهلاك السلبي لنظريات أنتجت في فضاءات ثقافية مغايرة لثقافتنا ...
إن التطور النظري الحاصل في حقل علوم الاتصال وما نعايشه في حياتنا اليومية أدى إلى إنتاج وطرح إشكاليات جديدة لا يمكن حلها إلا بالرجوع إلى والاعتماد على مقاربات شاملة تأخذ بعين الاعتبار تعقد العناصر الفاعلة في عملية التواصل من ووضعها الديناميكي والمتغير من جهة أخرى..  وبناء على ما سبق ستقارب هذه الورقة موضوع العلاقة بين المرأة والانتخابات والإعلام من زاوية تواصلية بين ثلاثة عناصر أساسية هي الرجال والنساء والوسيط الميدياتيكي أو الاتصالي ...

1. مقدمة :
إن الحديث عن المرأة والإعلام ينبغي أن ينطلق من الإيمان الراسخ بأن الإعلام بات محرك الحياة في جميع المجالات وأصبح مقياسا لتقدم الشعوب، وأن العمل الإعلامي لم يكن ولا يمكن أن يكون يوما من الأيام ميزة أو حكرا على جنس بشري بعينه. وفي ظل التحولات المتسارعة اليوم نحو صياغة نظام دولي جديد، فإن المجتمع اليمني بحاجة إلى تطور إيجابي فاعل وليس تطورا شكليا لمجرد محاكاة ثقافة "الآخر" المهيمنة، سواء كان ذلك "الآخر" رجلا فيما يتعلق بالمرأة أم كان آخرا غربيا أو شرقيا فيما يتعلق بالإنسان العربي، فالتطور الفاعل والإيجابي هو ذلك النابع من الذات والمتفاعل إيجابيا مع الآخر ومشاركا له.
ولما كان وجود النساء لا ينفصل عن وجود الرجال، مثلما لا يمكن لوجود الرجال أن يكون منفصلا عن وجود النساء، فإن المسؤولية مشتركة بين الجنسين، أساسها الحقوق والواجبات وآليات عملها الاجتهاد والتواصل والتكامل.. وتندرج مشاركة النساء في العمل السياسي في هذا الإطار، حيث لا يمكن الادعاء بوجود ديمقراطية بدون مشاركة حقيقية من النساء  ... فالعمل السياسي والإعلامي فعل إنساني لا يتم اكتسابهما بيولوجيا بالوراثة ولا تختص بنوع اجتماعي بعينه... فهما مرتبطان بعوامل شتى، اجتماعية وثقافية ومهنية ونفسية...الخ
إن واقع مشاركة المرأة في اليمن ليس أسوأ من كثير من البلدان العربية والنامية وحتى المتقدمة. فالتمثيل النسائي في برلمانات العالم على سبيل المثال لا يزال ضعيفا ولا يزيد عن 14.7 % ، حسب إفادة الإتحاد البرلماني الدولي.  وتأتي الدول العربية في ذيل لائحة التمثيل النسائي في برلمانات العالم بنسبة لا تتجاوز 4.7%. ففي الكويت والإمارات العربية المتحدة وجيبوتي لا توجد أي امرأة ممثلة في البرلمان. وهناك امرأتان في اليمن وثلاث في لبنان والمغرب وأربع في الأردن.  
وهذا الواقع هو نتاج لعوامل عديدة وتداخل الحقول على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي ... وعليه فإن مشاركة النساء اليمنيات في المجال السياسي تتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بعلاقات اليمن الدولية مثلما تتأثر بالنظام التعليمي السائد ونسبة الأمية و بالوضع الاقتصادي ونسبة البطالة ومستوى الفقر ... فضلا عن القيم الاجتماعية السائدة ...

في واقع المشاركة النسائية في المجال السياسي هناك ،نظريا، بنية مؤسسية وتشريعية مناسبة وقد تتجاوز انتظارات النساء وواقعهن . كما يتوفر القرار السياسي الداعم لمشاركة النساء في العمل السياسي ، إلا ان الأمر يختلف على مستوى الواقع المعاش والممارسة اليومية التي تشير إلى تدني مستوى المشاركة السياسية للنساء في اليمن وانخفاض مستوى الوعي بأهميتها .. فلماذا؟ وما هو الدور الذي يلعبه الوسيط الميدياتيكي في هذه المسألة ؟  
إن دور الوسيط الميدياتيكي عامة ووسائل الإعلام الجماهيرية المعروفة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية للنساء في اليمن أكثر تعقيدا مما يمكن تصوره. ويمكن مقاربة الموضوع من أكثر من زاوية .. إلا أننا في هذه الورقة سنحاول مقاربة الموضوع من منظور علم الاجتماع الاتصالي.  
وستعمد هذه الورقة إلى إثارة التساؤلات أكثر مما ستبحث عن إجابات نتوقع أن نجد بعضها في الأوراق الأخرى والمداخلات خلال الندوة. ونهدف من وراء ذلك تجنب التكرار وتكريس تقليد في الحوار البناء والتواصل الإيجابي المثمر في اتجاهين وبالتالي الخروج بحصيلة إيجابية من أعمال الندوة عبر تنشيط الحوار وإثراءه  وتجاوز الطرق المعتادة في الندوات المعتمدة على إلقاء المحاضرات أو الأوراق من قبل عدد محدد من المشاركين تباعا ومحاصرة بقية الحاضرين في الأوقات المحددة للنقاش والتعقيب إن وجدت أصلا...

2. الخطاب الإعلامي في علاقته بالنساء: المراجع والمنطلقات
تساؤل أول نطرحه هنا بخصوص مرامي وتوجه الخطاب الإعلامي في وسائل الإعلام اليمنية في تناوله للشأن النسوي عامة ولموضوع المشاركة السياسية للنساء بشكل خاص، إلى أي حد يمكن المجازفة بالقول أن الخطاب موضوعي ، وبالنسبة لمن؟ ومن خلال أية مقاييس يمكن تقييم هذه الموضوعية؟
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن مفهوم الموضوعية هو مفهوم إشكالي بطبيعته. فنحن كأفراد ، نساء ورجال ، وجماعات ومجتمعات محلية لا تجمعنا أنظمة مرجعية واحدة ، رغم ما يجمعنا من السمات الثقافية والتاريخية ، فاختلافاتنا عائدة بالأساس إلى التجارب النفسية والاجتماعية والثقافية لكل منا ...
ومن هذا المنطلق فإن ما تعتبره مجموعة ثقافية ما معلومة موضوعية وحقيقية هي بالنسبة لمجموعة ثانية معلومة متحيزة وموجهة .. فالمعلومة قبل أن تصل إلى المتقبل عليها أن تخترق الأغشية أو الحواجز الثقافية والمعلوماتية وحتى النفسية التي تحيط بالمتقبل وهو ما يعرف في علوم التواصل وعلم النفس بالإدراك الانتقائي . فحولنا تتجول وبصورة دائمة ، كمية لا متناهية من المعلومات لكننا لا نستقطب منها ولا تلفت انتباهنا إلا ما نعتبره معلومة ذات دلالة وذلك من زاوية مرجعياتنا وما عدى ذلك فليس إلا محض ضجيج....
هذه الملاحظة تمهد لمقاربة منطق اشتغال أنظمة الإعلام والاتصال في مجتمعنا في علاقتها بالمرأة ناظرة ومنظورة  بصورة عامة ورؤيتها لموضوع مشاركة المرأة في العمل السياسي ودورها في لعبة الانتخابات على وجه التخصيص...




3. التواصل المباشر وجها لوجه :
البداية لا بد أن تكون من المنبع والأساس ، من عملية التواصل المباشر وجها لوجه بين امرأة ورجل بغض النظر عن الفضاء والتوقيت. ففي إطار هذا النوع من التواصل غالبا ما تكون لغة الجسد( النظرات ، الملابس والألوان ، ووضع الجسم...الخ) هي الفاتحة بين الطرفين – من وجهة نظر رجاليه بطبيعة الحال-  حيث تحتل هذه اللغة المرتبة الأولى. وتخضع العملية للتصورات الذهنية لكل طرف عن الآخر من منظور النوع البيولوجي في البداية ومن منظور النوع الاجتماعي في النهاية..  وبالتالي فإن التواصل المباشر بين النوعين الاجتماعيين يتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بالمعطيات البيولوجية والاجتماعية والثقافية السائدة.. ذلك على المستوى التواصلي البسيط . ومن هذه المنطلقات يمكن فهم آليات صياغة الخطاب الإعلامي السائد عبر الفضاء الميدياتيكي فيما يتعلق بالمشاركة السياسية للنساء .

4. التواصل عبر الفضاء الميدياتيكي:
الجدير بالملاحظة أن عملية التواصل في هذا الإطار تتم في اتجاه أحادي ، من القائم بالاتصال في الوسيلة الإعلامية إلى المتلقي وبشكل سلبي...
ومن المثير للتساؤل هنا أن الخطاب الإعلامي السائد في الفضاء الميدياتيكي اليمني باختلاف ألوانه السياسية ومرجعياته الفكرية وأصوله الاجتماعية لا يتعاطى في الشأن النسوي إلا في المناسبات ومن منظور القائم بالاتصال ووفقا لاستراتيجياته وبما يخدم مصالحة .. ذلك قد يكون مجرد فرضية تحتاج إلى بحث وتقصي .. إلا أنه لا يقلل من أهميتها أو ينفيها مسبقا، لأنها نابعة من استطلاع لبعض التجارب ومعايشة للبعض الآخر ومن ممارسة تواصلية يومية مع الآخر ومع الوسطاء من وسائل إعلام وغيرها...
نتعرض ، كرجال، على مدار الساعة لكم هائل من الصور والمعلومات حول النساء  في وسائل الإعلام .. ونجد أن هناك تصورا سائدا منمطا عنها لا يعبر بالضرورة عن الواقع المعاش ولا عن رؤيتهن الذاتية ككائنات بشرية واجتماعية وثقافية..  وقد أثبتت الكثير من الدراسات التي يمكن الرجوع إليها والتثبت منها أن واقع النساء في اليمن الذي تصوره لنا وسائل الإعلام مختلف تماما عما نعيشه ونعايشه في حياتنا اليومية، فهو إما مشوه او منمط أو منسي تماما.. فلماذا يا ترى ؟ هل لأن القائم بالاتصال في الغالب هو رجل.؟ تفيد الدراسات الميدانية في هذا المجال أن نسبة النساء العاملات في وسائل الإعلام الرسمية، مثلا، لا تتجاوز (10.8 %)، أغلبهن يعملن في وظائف إدارية ثانوية أو كمذيعات. ولا توجد امرأة واحدة في موقع قيادي..) ..  وغالبا ما يعتقد القائم بالاتصال- الرجل ، بوعي منه وبدون وعي ، أن ما ينقله لنا عن آخره/ المرأة هو الواقع بعينه بموضوعية تامة . وهو محق في ما يدعيه لأنه ينظر إلى ذلك الواقع من منظاره الخاص المتأثر بمرجعياته المختلفة .
ومن أهم سمات الخطاب الإعلامي التي يمكن الاستدلال بها هنا حول القضايا المرتبطة  بالشأن النسوي عامة وفيما له علاقة بالسياسي على وجه الخصوص ما يلي : 
-    سيادة نمط الاتصال الأحادي العلوي في وسائل الإعلام الذي يتجه من القمة إلى القاعدة ومن المتعلمين إلى الأميين ومن سكان المدن إلى سكان الأرياف . وهذه النمط لا يحترم عقلية المتلقي ولا يحرص على تلبية احتياجاته الاتصالية .... وهذه المسألة من التحديات التي تواجه الحكومة فيما يتعلق بإيجاد مشاركة فاعلة للنساء في الانتخابات..
-    التحيز الاجتماعي لوسائل الإعلام لنساء المدن على حساب نساء الريف ولصورة المرأة الأنثى الجميلة والأنيقة على حساب الصور الأخرى للمرأة كمنتجة ومشاركة في التنمية وفي صنع القرار السياسي..
-    الخطاب الإعلامي يقدم المرأة على أنها مخلوق تابع ناقص القدرة على التفكير العقلاني مقابل التأكيد على أنها مخلوق عاطفي حساس وهش وأنها تتوقع العون والمساعدة والقيادة من جانب الرجل... بالإضافة إلى تصويرها على أ،ها أداء للإغراء والإمتاع خصوصا في الإشهار للسلع التجارية والخدمات......
-    يكرس الخطاب الأدوار التقليدية للمرأة داخل المنزل، كزوجة وأم وربة بيت وخارجه كمعلمة أو ممرضة أو سكرتيرة ، بحيث لا تتجاوز اهتماماتها أمور الطبخ والأزياء ورعاية الأطفال... وفي المقابل يتم تجاهل أو تهميش أدوارها الثقافية والسياسية والاقتصادية الأخرى الأكثر أهمية...

إن المهم بالنسبة لنا كرجال – على الأقل في مستوى أولويات التفكير النقدي- هو فهم الآليات التي تحكم تشكل الخطاب الإعلامي في علاقته بالسياسي .. وبالممارسة السياسية.. فالدفاع والتبرير لمضامين الخطاب قبل المعرفة النقدية لا تؤدي إلا إلى تثبيت نرجسي ومطهر ومطمئن لتصورنا الإشكالي للعلاقة مع الآخر / المرأة ..
ومرحلة فهم الخطاب الإعلامي ليست نهاية في حد ذاتها بقدر ما هي ممر لا مفر من عبوره من أجل فهم آليات اشتغال النظام الميدياتيكي في اليمن ومن أجل تشخيص الأطراف الفاعلة والمواقع التي يحتلها كل طرف.  ومن المنطلق السابق يجب أن يخضع الخطاب الإعلامي لقراءة نقدية وتحليل علمي  لمضامينه كما وكيفا. كيف يتعامل الإعلام مع قضايا المرأة ومشاركتها السياسية ؟ وماهي نقاط القوة ونقاط الضعف فيه؟  وما هي العوامل التي تحكم إنتاج هذا الخطاب ؟
فالخطاب الإعلامي اليمني تجاه موضوع مشاركة المرأة السياسية ، كأي خطاب آخر، يمر أثناء تكوينه بمراحل ثلاث :
-    المرحلة الأولى تتمثل في التموقع داخل الفضاء المجتمعي المكتظ بخطابات  اجتماعية وسياسية وثقافية مختلفة...
-    المرحلة الثانية يؤسس فيها الخطاب الإعلامي أشكالا خاصة للتعامل مع واقع مشاركة المرأة السياسية وانتقاء معلومات ذات دلالة بالنسبة له تستند على مرجعيات القائمين بالاتصال النوع اجتماعية والفكرية...
-    المرحلة الثالثة يعيد فيها الخطاب الإعلامي إنتاج الواقع وعرضه. وهنا يتم بناء الواقع عبر التمثلات وحينها يتحول إلى واقع جديد. وتتم هذه العملية بطريقة لا واعية وفق المعطيات الخاصة للذات المتمثلة ( الحقل الذي تتحرك فيه الذات).
وتجب الملاحظة هنا أن هذه المستويات الثلاثة ليست إلا بناءات نظرية لا تعكس بطريقة ميكانيكية التعقد والديناميكية اللذان يميزان الواقع الاجتماعي/الثقافي..
إن طريق النساء للتعبير عن أفكارهن ومصالحهن في وسائل الإعلام أمر في غاية الصعوبة والتعقيد .. والمعبرون عن مصالح النساء، في الغالب والأساس، هم الرجال .. وحين يسأل الرجل عن الدور الملائم للمرأة ، نجده يجيب في ثقة: أداور الأم والزوجة والمربية ... وإذا ما أتيح للنساء من القيام بدور القائم بالاتصال وبث رسالة إعلامية نجد نوعين يمثلن في الغالب طرفي نقيض : فمن ناحية هناك اللاتي يستخدمن جميع خصائصهن وصفاتهن الأنثوية الطبيعية وغيرها ، ومن ناحية أخرى نجد في الطرف الآخر نوع من النساء يخفن من كل ما هو أنثوي ويتوجسن خيفة منه ليصل الأمر أحيانا إلى نفي انتماءهن الجنسي...

5. الوسيط  الميدياتيكي :  
نقصد بالوسيط الميدياتيكي هنا ما يمكن ترجمته "بالشامل الإعلامي" ، أي جميع الوسائل التقليدية والحديثة التي يمكن من خلالها القيام بعمليات تواصل بالمجموعات الاجتماعية ، سواء كانت وسائل إعلام جماهيرية كالصحف والإذاعة والتلفزيون وشبكات الإنترنت والفيديو والسينما وغيرها ، أو عبر التواصل المباشر في فضاءات أخرى كالمسجد والمدرسة والجامعة والنادي...الخ . ولا نحتاج هنا للتذكير بأن الرسالة الإعلامية التي يبثها القائم بالاتصال لا تصل مباشرة إلى المتلقي وإنما تخضع لعمليات "غربلة" وتمر بحواجز أو أغشية عديدة وأن أحد أهم تلك الأغشية هو طبيعة العلاقة بين الرجال والنساء في الفضاء الميدياتيكي نفسه والعوامل المختلفة التي تحكم تلك العلاقة ..  
وفي هذا السياق نطرح نموذجا لهذه العلاقة من خلال الاستفادة من دراسة سابقة تمت حول تقسيم العمل بين النساء والرجال من منظور "نوع اجتماعي"[1]. والتي هدفت إلى  والكشف عن العوامل المؤسسية والاجتماعية، بما فيها دور الرجل، التي تتحكم في الوضع المهني للنساء العاملات في المؤسسات الإعلامية وفي فرص الحراك الوظيفي والتفوق والإبداع المهني لديهن..  
وقد تبين من نتائج الدراسة أن نسبة العاملات في المؤسسات الإعلامية لا تتجاوز إجمالا 10.8 % ، وأن معظم هؤلاء النساء يعملن في مستويات وظيفية متدنية ( المجموعة الثانية وما دونها ) . ويتركز توزيعهن الوظيفي والمهام التي يقمن بها في المجالات الإدارية والخدمية بالإضافة إلى الوظائف التي تفيد من أنوثتهن....
 وأثبتت الدراسة الميدانية بأن كلا من توزيع الوظائف والمهام والترقيات تتأثر بعامل النوع الاجتماعي ، وأن تأثر تقسيم العمل بعامل النوع الاجتماعي في جميع مستوياته يكرس سيطرة الرجال على العمل المهني الإعلامي. وبالنتيجة فإن الفرص المتاحة للنساء لمنافسة الرجال في العمل الإعلامي وتقديم أعمال متميزة وتطوير العقل المبدع لديهن، هي ضئيلة وتقف أمامها معوقات عديدة في مختلف المستويات. كذلك ، وبقدر ما ظهر من تباين في الرؤى والتصورات حول تفسير واقع هذا التأثير ومظاهره وخلفياته، فإن تعبيرات ذلك تبين لنا أننا أمام مسألة مركبة تتداخل فيها خصوصاً العوامل الذاتية (الخاصة) ، والعوامل المجتمعية (الاجتماعية والثقافية) ، والعوامل المؤسسية .
ومن أبرز التفسيرات التي قدمت في هذا السياق :  
-    مواقف العائلة وأبعاده الثقافية المتعددة من عمل النساء في أوقات الليل أو السفر في أي مهمة خارج مقر إقامتهن دون "محرم".
-    التصورات المغلوطة السائدة حول طبيعة العمل الصحفي، خاصة السمعي البصري،  وما يترتب عليه في نظر البعض من تجاوز للقيم الاجتماعية، بالاختلاط المباشر بالرجال والانتشار والشهرة "غير المرغوبة" بالنسبة للنساء. 
-    أدوار النساء أنفسهن داخل العائلة خاصة ما يتعلق منها بأدوار الزوجة والأم والتزاماتها الاجتماعية تجاه الزوج والأطفال، وما يرتبط بهذه المواقف والأدوار من قيم ونماذج مستمدة من الثقافة السائدة.
-    عوامل سيكولوجية مثل عدم الثقة بالنفس والبحث عن المهام السهلة، وعدم "تحمل النساء القيام بمهام شاقة" لأسباب نفسية وفسيولوجية تتعلق " بكون النساء "أقل قدرة على السيطرة على النفس". 
-         إحساسهن بأنهن مهمشات واستسلامهن للأمر الواقع.
-    المستوى التعليمي المتدني للنساء مقارنة بزملائها الرجال والذي يطرح عليها أحيانا إشكالات أمام الترقية الوظيفية.
-          بقاء ارتباط صناعة القرار بأيدي الرجال.
-         الفساد الإداري والمالي المنتشر وإهمال المختصين بمتابعة الترقيات
-         العدد المحدود للنساء العاملات  ، وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون للرجال الأولوية في أخذ الأدوار القيادية.

  والخلاصة التي خرجت بها الدراسة أن الإعلاميات يتعرضن لما يمكن تسميته "بالعنف الرمزي" عبر تقسيم العمل المرتكز على معيار النوع الاجتماعي  في المؤسسات الإعلامية اليمنية الأمر الذي يؤثر على مستوى أدائها ومضامين رسائلها الإعلامية خاصة فيما يتعلق بصورة النساء وأدوارهن المختلفة. وبالتالي يتم من خلال هذا النمط من تقسيم العمل ومن ممارسة العنف الرمزي ضد النساء، إعادة إنتاج البنى الذكورية الطابع التي تهيمن على الحياة المهنية والاجتماعية وحتى السياسية.







6. خاتمة :
إن النساء في اليمن لديهن من القدرات ما يؤهلهن للمشاركة الفاعلة في تنمية المجتمع وتطويره في جميع المجالات إلا أن الاستفادة من تلك القدرات رهن بعوامل اجتماعية وثقافية ومؤسسية مختلفة ومتفاوتة، الأمر الذي يتعين على المجتمع، بمؤسساته وأفراده رجالا ونساء، العمل المخلص للتغلب على كل ما يعترض رعاية وتنمية قدرات النساء الإبداعية باعتبارها مكملة لقدرات الرجال، ولا يستطيع الرجال الادعاء بتفوقهم في أي مجال بمعزل عن مؤسسات المجتمع وثقافته السائدة، غير أن ذلك يتطلب بدوره تحرير العقل اليمني من التصورات الذهنية السلبية تجاه أدوار النساء والعلاقة بين الرجال والنساء.. ومن وجهة نظر سوسيولوجية، فإن خبرات النساء وسلوكهن، بشكل عام، ومشاركتهن في العمل السياسي على وجه الخصوص، تتأثر بالتوقعات المرتبطة بجنسهن. وبما أن جنس النساء لا يمكن أن ينفصل عن جنس الرجال، فلا وجود لأي منهما دون الآخر، وبالتالي فإن المشاركة الحقيقية والفاعلة للنساء بشكل عام تتأثر بخبرات الرجال وتوجهاتهم ومواقفهم وسلوكهم...
    إن الوسائط الميدياتيكية ومنها وسائل الإعلام جزء لا يتجزأ من البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية للمجتمع وتسهم فى تطوير هذه البنية بما تبثه من أفكار وتشيعه من قيم ولكي تقوم بهذا الدور فيما يخص التعامل مع مشاركة النساء الفاعلة في الانتخابات وفي الممارسة الديمقراطية في الحياة عامة ينبغي الأخذ بما يلي:
 أولاً: تطوير التشريعات الخاصة بمشاركة النساء في الحياة العامة وذلك بما يتيح لهن ممارسة المهن العصرية وترسيخ قيم العمل الديمقراطي فيما لا يتعارض وخصوصية المجتمع .
 ثانياً: رفع مستوى الوعي المجتمعي بأهمية مشاركة النساء في العمل الإعلامي والسياسي بناء على معطيات الواقع المدروس.
 ثالثاً: وضع السياسات والبرامج العملية التي تساعد على زيادة مشاركة النساء في سوق العمل الإعلامي.
 رابعاً: تأسيس مركز للبحوث والتدريب يهتم بالقضايا المرتبطة بمشاركة النساء في العمل الإعلامي والسياسي .
 خامساً: المساواة بين النساء والرجال في التدرج الوظيفي والترقي للإعلاميات في المؤسسات الإعلامية المختلفة بما في ذلك مواقع صنع القرار. وتوفير فرص التدريب والتأهيل المهني الملائم لمساعدتهن على تطوير معارفهن وخبراتهن ومواكبة التطورات العلمية الحديثة في مجال الإعلام وتقنيات الاتصال.
 سادساً: تكثيف العمل الميداني المشار كي الهادف إلى رفع وعى النساء بتعريفهن بقضاياهن الأساسية وحقوقهن المدنية والسياسية من خلال التوظيف الفاعل للفضاء الميدياتيكي والمهارات التواصلية الفردية .
 سابعا : الاستفادة من الدروس المستخلصة من التجارب السابقة للمشاركة النسائية في الانتخابات والعمل السياسي.. ودور الإعلام فيها عن طريق القيام بدراسات  تقييم لعينات من المشاركات في الترشح والترشيح والعمل التنظيمي من منظور تواصلي وليس سياسي.
   
  



         



[1] أنظر : د. عبد اللطيف الأدهم و د. عبدالله الزلب ، تقسيم العمل في المؤسسات الإعلامية اليمنية من منظور النوع الاجتماعي، دراسة مقدمة لمؤتمر تحديات الدراسات النسوية الدولي ، صنعاء سبتمبر 1999.