الثلاثاء، 3 مايو 2011


الإعلام اليمني وتحديات العولمة

د. عبدالله علي الزلب

تمثل وسائل الإعلام عنصراً مؤثراً في حياة الدول والمجتمعات كونها المروج الأساسي للفكر والثقافة إلى جانب الأسرة والمؤسسات التعليمية المختلفة بل إنها في كثير من دول العالم أحد منتجي الثقافة عن طريق التفاعل والتأثير الإنساني المتبادل. وقي السنوات الأخيرة اكتسبت وسائل الإعلام أبعاداً جديدة زادت من قوة تأثيرها على الأفراد والجماعات. فقد أتاحت الوسائط المقروءة والمرئية والمسموعة لكل الشعوب إمكانية معايشة الأحداث في أي بقعة من العالم لحظة بلحظة وكانت في بعض الأوقات توجه هذه الأحداث، إذا لم تكن مساهمة في صناعتها عبر الحملات الدعائية المدروسة علميا والمنظمة عمليا. 
وفي ظل هذا الوضع تميزت السنوات الأخيرة من القرن العشرين ببروز العامل الثقافي كمحدد للتطورات والتحولات المعاصرة في العالم وعلى جميع المستويات فالصراعات المتفجرة في كثير من مناطق العالم هذه الأيام هي صراعات ثقافية تتخذ أشكالا مختلفة. والسؤال المطروح اليوم، أين نحن من كل ذلك؟ هل تواكب المؤسسات الإعلامية في اليمن هذه التطورات؟ وهل هويتنا اليمنية في مأمن من أي مسخ؟
إن المشكلة التي تعيشها الثقافة اليمنية في الوقت الحاضر هي مشكلة العصر الذي نعيش فيه، عصر الاتصالات المفتوحة ومجالات الفرض الثقافي عبر ما يوصف هذه الأيام "بالعولمة" أو النظام العالمي الجديد. ومحاولة إضفاء صفة العالمية على المنتجات الثقافية عبر وسائل الاتصال المختلفة. وتبرز هذه الإشكالية كتحد يواجه الثقافة اليمنية ولكنه يواجه الإعلام اليمني بشكل خاص نظرا لدوره في عملية إنتاج الثقافة والفكر والتواصل مع الثقافات الأخرى. فنحن لا نملك القدرة على العزلة عن الثقافات الأخرى وعدم التأثر بما يحدث في بقاع العالم المترامية. كما لا يمكننا الاستسلام والمضي مع تيار "العولمة" دون هوادة لأن هويتنا هنا هي المهددة بالشتات والضياع.   
ورغم كل هذه التطورات يبدو المشهد الإعلامي بائساً في اليمن فهناك، على المستوى الظاهر، تطور كمي في وسائل الإعلام المكتوبة وفي ساعات البث الإذاعي والتلفزيوني إلا أن مضامين برامجها لا برقى إلى مستوى ذلك التطور الكمي .
      فنجد ان الخطاب الإعلامي السائد في اليمن، الحزبي والرسمي، ظل متذبذبا في بعض الأحيان ودعائيا بصورة فجة ومنفرة في كثير من الأحيان. وهذا الأمر لا يدعوا للاستغراب لأن "الشيء من مأتاه لا يستغرب"، حيث يسود مؤسسات الحكومة الإعلامية العمل العشوائي والأنانية المفرطة والنفاق في الوقت الذي تغيب فيها الأهداف الواضحة والشفافية والتخطيط وتحمل المسؤولية. أما المؤسسات الإعلامية الحزبية والأهلية فأعلبها تنتفي فيها صفتي المأسسة والإعلام، فهي إما مجرد "دكاكين" لبيع الورق والوهم أو مراكز لإثارة الفتنة أو مؤسسات تعتمد على شخص بذاته تعمل وتعيش في حياته، تقوى بقوته وتضعف بضعفه وعندما يغادر الدنيا تغادر بصحبته.    
ليس من المجدي هنا اقتراح الحلول والبدائل الجاهزة لأن المسألة معقدة وتتطلب التشاور والبحث العلمي والاستفادة من تجاربنا وتجارب الآخرين السابقة بسلبياتها وإيجابياتها. وما دام لدى الحكومة برنامجاً للإصلاح الإداري الشامل فلا بد من إعادة النظر في بنية مؤسساتنا الإعلامية. والبنية هنا كل لا يتجزأ، فلا يكفي أن نأتي بشخص بدل آخر  أو نلغي منصبا ونضيف آخر ؟ فالمسألة مركبة وتتطلب اتخاذ قرارات جريئة بعد دراسة متأنية وتخطيط علمي. وأعتقد أن تفعيل دور نقابة الصحفيين كنقابة مهنية وإبعادها عن الصراع السياسي وتمكين المؤسسات الإعلامية من الاستقلالية الإدارية والمالية وإخراج الإعلام من دائرة الخدمة المدنية للدولة. وإلغاء الهياكل والمؤسسات الزائدة عن الحاجة، ستشكل محور هذه المراجعة وإعادة الهيكلة. فلماذا لا يتم إلغاء وزارة الإعلام وكل هذه الهياكل وتبسيط الأمور لمديري المؤسسات الإعلامية؟ ولم لا يتم تشكيل مجلس أعلى للإعلام أو الاتصال برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية نخبة من العلماء والمختصين والمثقفين والمؤسسات المعنية، يعمل على رسم السياسات الكبرى واقتراح المشاريع والإشراف على جميع مؤسسات الإعلام الرسمية وغير الرسمية وبهذا نحرر الإعلام والإعلاميين من عبودية الإدارة وعبثها ونمنح لكل مؤسسة استقلالية في العمل وهامش من الحرية لاغني عنه؟ ألا يرقى الإعلام في سلم أولويات حكومتنا الراهنة إلى نفس المرتبة والأهمية التي يحتلها الأمن والدفاع؟ وهل ما تزال رؤية الحكومة لوظائف الإعلام هي نفسها التي كانت سائدة في الستينات والسبعينات والمنحصرة في التعبئة السياسية للرأي العام؟  أعتقد جازما أن الإعلام في زمن "العولمة" اكتسب وظائف جديدة وأبعاد مختلفة، كما أثبت أنه أكثر أهمية وأكثر خطورة في كثير من المناسبات والأحداث من أجهزة الأمن والدفاع وما حدث في رومانيا ودور التلفزيون الروماني الرائد غير بعيد عن الأذهان. وبما أن الصراع الدائر في العالم في الوقت الحاضر هو صراع هويات وثقافات فلا يمكننا أن نحمي هويتنا اليمنية بالأمنيات والأحلام وإنما بوجود مؤسسات إعلامية حديثة وفاعلة قادرة على مواجهة التحديات التي تفرضها ثقافة العولمة.